الجمعة 13 ربيع الأول 1442 هـ

الموافق 30 أكتوبر 2020 م

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله خير البرية، وأشرف البشرية، أحبّه الله واصطفاه، واختاره واجتباه، وجعله أكثر الأنبياء تبعاً، وأعلاهم قدراً ومقاماً، شرح الله صدره، وغفر له ذنبه، أخشى الخلق لله، وأتقاهم له، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد :فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله حق التقوى، فبالتقوى ترفع الدرجات، وتقال العثرات، وتغفر الزلات، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن خير ما عُني به المسلمون، وتحدَّث عنه العلماء والدعاة والمثقفون والمصلحون، سيرة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم،

فهي حديث المناسبة وكلِّ مناسبة، والتذكير بها موضوع الساعة، وكلِّ ساعةٍ إلى قيام الساعة، فهي للأجيال خيرُ مربٍّ ومؤدِّب، وللأمة أفضل معلم ومهذِّب، وليس هناك أمتعُ للمرء من التحدث عمن يُحبّ، فكيف والمحبوب هو حبيب رب العالمين، وسيد الأولين والآخرين، فهو مِنة الله تعالى على البشرية ورحمته على الإنسانية، ونعمته على الأمة الإسلامية. فبالله ثم بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، قامت شِرعةٌ، وشُيِّدت دولةٌ، وصُنِعَت حضارةٌ، وأسُّست ملةٌ من ملل الهدى محترمة وعظيمة.. وليس هناك أحدٌ من البشر نال من الحب والتقدير ما ناله المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، فباسمه تلهج ملايين الألسنة، ولذكره تهتزّ قلوب الملايين من البشر، ولكن العبرة أن يتحول هذا الحب إلى محض إتباع دقيق، لكل ما جاء به عليه الصلاة والسلام، كما قال الحق تبارك وتعالى مبيناً معيار المحبة الصادقة: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أيها المؤمنون: ولم تكن حاجةُ الأمة في عصرٍ ما إلى الاقتباس من مشكاة النبوة والسنة المباركة، ومعرفة السيرة العطرة معرفة اهتداء واقتداء، أشدَّ إليها من هذا العصر الذي تقاذفت فيه الأمةَ أمواجُ المحن، وتشابكت فيه حلقات الفتن، وغلبت فيه الأهواء، واستحكمت التهم والآراء، وواجهت فيه الأمة ألواناً من التصدي السافر، والتحدي الماكر والتآمر الجائر، من قبل أعداء الإسلام والمسلمين، الذين رموا دين الله ونبي الله عن قوس واحدة، ويزداد الأسى حين يجهل كثير من أهل الإسلام حقائق دينهم وجوهر عقيدتهم وسيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويسيرون مع التيارات الجارفة، والافتراءات الباطلة دون تمحيص ولا تحقيق.

أيها الإخوة والأخوات في الله: يا أحباب رسول الله،  هذه وقفاتٌ ومقتطفات، مع جانب من أهم جوانب السنة العطرة والسيرة المباركة، ذلكم هو جانب الشمائل والآداب النبوية، والطبائع والسجايا المحمدية، فهي معينٌ ثرٌّ، وينبوع صافٍ متدفق، يرتوي من نميره كلُّ من أراد السلامة من لوثات الوثنية، والنجاة من أكدار الجاهلية، بل هي المنظومة المتألقة والكوكبة المتلألئة، والشمس الساطعة، والسنا المشرق والمشعل الوضاء الذي يبدّد ركام الظُّلْم والظُّلَم، ولئن فات كثيرين رؤيتُه  بأبصارهم، فإن في تأمُّلِ شمائله لعزاءً وسلواناً، فالمطبقون لشمائله إن لم يصحَبوا نفسَه أنفاسَه صحِبوا، صلى الله عليه وآله وسلم.

أيها المؤمنون: إننا بحاجة إلى تجديد المسار على ضوء السنة المطهرة، وتصحيح المواقف على ضوء السيرة العطرة والوقوف طويلاً للمحاسبة والمراجعة. نريد من مطالعة السيرة النبوية ما يزيد الإيمان، ويزكي السريرة، ويعلو بالأخلاق ويقوِّم المسيرة.. يخطئ الكثيرون حينما ينظرون إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته كما ينظر الآخرون إلى عظمائهم في نواحٍ قاصرة، محدودة بعلمٍ أو عبقرية أو حِنكة. فرسولنا صلى الله عليه وسلم قد جمع نواحي العظمة الإنسانية كلها في ذاته وشمائله وجميع أحواله، لكنه مع ذلك ليس رباً فيقصَد، ولا إلهاً فيُعبَد، وإنما هو نبي يُطاع ورسول يُتَّبع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ ، وَرَسُولُهُ) إن من المؤسف حقاً أن بعض أهل الإسلام لم يقدروا رسولهم حقَّ قدره حتى وهم يتوجهون إليه بالحب والتعظيم، ذلك أنه حبٌّ سلبي لا صدى له في واقع الحياة، ولا أثر له في السلوك والامتثال والأخلاق والمعاملات .

أيها المسلمون: تأملوا هديه وشمائله ـ بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام ـ في جوانب الدين والدنيا بأسرها…

ففي مجال توحيده لربه، صدَع بالتوحيد، ودعا إليه ثلاث عشرة سنة بمكة، وعشراً بالمدينة، كيف لا وهو المنزَّل عليه قوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،  لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) وإن أول واجب على محبيه أن يُعنَوا بأمر الدَّعوة إلى توحيد الله، وشرائع الإسلام، والتَّربية الإيمانيَّة والأخلاقيَّة، والالتزام بتعاليم الدين، وكل هذا لا يقوم دون معرفة كاملة بنبيّ الله وسيرته صلَّى الله عليه وسلَّم.. وفي مجال عبوديته صلى الله عليه وسلم لربه، فإنه قد قام من الليل حتى تفطرت قدماه، فيقال له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً؟)

عباد الله: وفي مجال الأخلاق تجده مثال الكمال في رقة القلب، وسماحة اليد، وكفِّ الأذى، وبذل الندى، وعفة النفس، واستقامة السيرة. كان عليه الصلاة والسلام دائم البشر، سهل الطبع، ليّن الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح.

وأعظم من ذلك وأبلغ ثناءُ ربه عليه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم) وقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لانْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: ما مسستُ بيدي ديباجاً ولا حريراً ولا شيئاً كان ألْينَ مِن كفِّ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، ولا شممتُ رائحةً قطُّ، أطيبَ من ريحِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، ولقد خدمتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عشرَ سنينَ فو اللَّه ما قالَ لي : أُفٍّ قطُّ  ولا قالَ لشيءٍ فعلتُهُ : لمَ فعلتَ كَذا ولا لشيءٍ لم أفعلْهُ ألا فعلتَ كَذا) تلك لعمرو الحق عراقةُ الخلال وسمو الخصال، وكريم الشمائل وعظيم الفضائل، فسبحان من رفع قدره، وشرح صدره، وأعلى في العالمين ذكره.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَخْلَدَ ذِكْرَهُ

إِذَا قَالَ فِي الخَمْسِ المُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ

وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ

فَذُو العَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ

فهل من يتغنون اليوم بسيرته، يقتفون أثره في هديه وشمائله؟ وهناك صفحة أخرى يا رعاكم الله، في معاملاته لأهل بيته وزوجاته وأولاده وبناته وأصحابه، يقول عليه الصلاة والسلام : (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًاً) ويقول(أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًاً) ويقول:(خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) وهكذا في سياسة الدولة الإسلامية وفي عبادته لربه، وفي نفقته وبذله، وفي قوته وجهاده، وحرصه على أداء رسالة الله وتبليغ دعوة ربه تبارك وتعالى.. وهاكم حفظكم الله أنموذجاً على حكمته في الدعوة، ورفقه بالمدعوين ورحمته بالناس، مسلمين وغير مسلمين، (وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ) ومراعاته لحقوق الإنسان، بل ورفقه حتى بالحيوان، في وقت تتغنى فيه حضارة اليوم بدوس كرامة الإنسان ورعاية أحطِّ حيوان، فالله المستعان. ويتجلى هذا الأنموذج الرائع في قصة الأعرابي الذي بال في ناحية المسجد، حين نهره الصحابة رضي الله عنهم، فقال: (دعوه، لا تزرموه)، أي: لا تقطعوا عليه بوله،  فقال لهم : (إنما بُعثتم مبشرين، ولم تبعثوا معسرين) وأرشده برفق وحكمة، وكانت النتيجة أن قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً.

وفي قصة ثمامة بن أثال حينما أُسر ورُبط بسارية المسجد وهو مشرك وسيد قومه، ورسول الله يمر به ويقول: (ماذا عندك يا ثمامة؟) فيقول: عندي خير يا محمد، إن تقتلْ تقتلْ ذا دم، وإن تنعمْ تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فيقول  بعد أن أكرمه ورفق به وأحسن معاملته: (أطلقوا ثمامة)، فانطلق ثمامة فاغتسل ثم دخل المسجد، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، والله يا محمد، ما كان على وجه الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك اليوم أحبَّ الوجوه كلها إليَّ، وما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك اليوم أحبَّ الدين كله إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلها إليَّ.

الله أكبر، تلك آثار الدعوة بالرفق والرحمة والحسنى، والبعد عن مسالك العنف والغلظة والفظاظة، وهو درس بليغ للعلماء والدعاة إلى الله وطلبة العلم إلى قيام الساعة.. ولما قيل له عليه الصلاة والسلام: ألا تدعو على المشركين؟! قال: (إني لم أُبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة للعالمين) ونهى عن اللعن وقال: (لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً) وقال بعد فتح مكة لقومه بعد أسرهم: مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟  قَالُوا  خَيْراً  أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون،: اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ). ألا فلتعلم الإنسانية قاطبة والبشرية جمعاء هذه الصفحات الناصعة من رحمة الإسلام ورسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، الذي يجدون ذكر شمائله في توراة موسى وفي بشارة عيسى، وليعلم من يقفُ وراء الحملات المغرضة ضد الإسلام ورسول الإسلام وأهل الإسلام ما يتمتع به الإسلام من مكارم وفضائل، ومحاسن وشمائل، ومدى البون الشاسع بين عالميته السامية الحكيمة، وعولمتهم المأفونة الحمقاء،  في إهدارٍ للقيم الإنسانية وإزراءٍ بالمثل الأخلاقية. وهل تدرك الأمة الإسلامية اليوم الطريقةَ المثلى للدعوة إلى دينها وإحياء سنة رسولها  إحياءً عملياً حقيقياً، لا صوريا وشكلياً؟!

إن الواجب علينا عباد الله أن نجابه الحاقدين على ديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم بكل ما نستطيع، وأن نتولّى الدفاع عنه وبيانَ صورتِه الصحيحةِ بذكر سيرتِه العطرة، ونشرها وتعريف الناس بها، وأن نربّي أنفسَنا وأهلينا وأبنَاءنَا على ضوء سنته وسيرته ونسيرَ على منهاجها. بعيداً عن مسالك التطرف والعنف والقتل للمخالفين مهما كانت المبررات، فإن هذا والله ليس من تعاليم ديننا ولا من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلى الأمة وعلى كل واحد منا أن يقدّم ما يستطيع في سبيل الدفاع عن إمامه وقدوته وسيده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالكلمة والكتابة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقبل ذلك كله التمسك بشريعته ولزوم منهجه وإتباع هديه. فاللهم اشرح صدورنا بمحبة نبينا محمد، وارزقنا حبه وتعظيمه وتوقيره، وإتباع هديه وسنته وتعاليمه إنك سميع الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى وآله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: لقد كانت لرسولنا وحبيبنا مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم عند ربه المكانة العلية، والمنزلة السامية الجلية؛ فقربه واصطفاه، أسرى به وناجاه، ومن كل فضل حباه، واقرأ في ذلك، قوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى،  وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى) صلَّى بالأنبياء، ثم عرج به إلى السماء، ووصل إلى سدرة المنتهى، ودنا واقترب، وراجع ربَّه في عدد الصلوات، وقال لموسى  عليه السلام :(قد رَجَعْتُ إلى ربِّي حتَّى استحْيَيْتُ منه) شرح الله صدره، وغفر ذنبه، ورفع ذكره: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ،  الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) قرن الله اسْمَهُ باسْمِه في شهادة التوحيد، وفي الأذان، وفي الإيمان: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ، وفي الطاعة: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ  وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)، (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) صلى الله عليه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)، جعله شاهداً على الناس: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً   وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً) أقسم الله تعالى به: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) ولاطَفَهُ بقوله: (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ) ووعده بالعطاء حتى الرضا: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) طمأنه ربه بالحفظ والرعاية والعناية والأمن والكفاية: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ) ،(وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وقال سبحانه: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) كانت حياته أماناً لأهل الأرض، أماناً من الهلاك العام والعذاب الطَّام: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) أعطاه الله الكوثر، وآتاه السبع المثاني والقرآن العظيم، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأتم نعمته عليه، وهداه ونصره، وجعله رحمة للخلق: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)

أيها المسلمون: نَبِيٌّ هذا شأنه، ورسولٌ هذا شأوه، وعظيمٌ هذا قدره – لا يضره شَنَآن الشانئين، ولا ينال سماءه حقد الحاقدين.

إن رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم  قد فاضت بمحبته قلوب المسلمين، وتشربت بمودته جوارح المؤمنين، وقدره عند الله عظيم، ولن يضر الشمس أن تشتمها خفافيش الظلام، ولن يغير الحق تهويش الباطل، وإذا عجز الباغي أمام الحقيقة فزع إلى السب والشتم والطعن واللعن والتشويه،  ومن جف دلوه من الماء أثار التراب والغبار.

هو صاحبُ الخلق الرفيع على المدى

هو قائدٌ للمسلمينَ همـــــــامُ

هو سيدُ الأخلاق دون منافـــــــــس

هو ملهمٌ هو قائدٌ مقــــــدامُ

مــــــاذا نقولُ عن الحبيبِ المصطفى

فمحمدٌ للعالمينَ إمــــــــــامُ

مـــــــاذا نقولُ عن الحبيـبِ المجتبى

في وصفهِ تتكسرُ الأقــــلامُ

رسموكَ في بعض الصحائفِ مجرماً

في رسمهم يتجسدُ الإجرامُ

وصفوك بالإرهـــــــاب دونَ تعقلٍ

والوصفُ دونَ تعقلٍ إرهابُ

لو يعرفونَ محمداَ وخصـــــــــــالهُ

هتفوا له ولأسلمَ الإعـــــــــلامُ

أيسبُ أسوتُنا الحبيبُ فما الـــــــذي

يبقى إذا لم تغضبِ الأقــــــوامُ

لا عشنا إن لــم ننتـصر لمحـمـدٍ

يوماً لأن المسلمينَ كــــــرامُ

صلى عليك الله يانور الـــــــهـــدى

مـــــا دارت الأفلاكُ والأجــــــرامُ

صلى عليكَ الله ياخيرَ الــــــــــورى

مـــــا مرت الساعاتُ والأيــــــــامُ

فاللهم اشرح صدورنا بمحبة نبينا صلى الله عليه وسلم، واشف صدورنا ممن آذانا في نبينا، اللهم ارزقنا طاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وإتباع سنته.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك، وحبَّ رسولك محمّد، وحبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك. اللهم اجعل حبَّك وحبَّ رسولك أحبَّ إلينا من أنفسنا وأهلينا ووالدينا وأولادنا والناس أجمعين…

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين،اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين. اللهم آمنا في وطننا، وأدم الأمن والاستقرار في ربوعنا، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُوْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنِ عِيْسَىْ وَرَئِيْسَ وُزَرَائِهِ خليفة بن سلمان  وَوَلِيَّ عَهْدِهِ سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ..

اللهم واجعلنا هداة مهدتين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم وفقنا للاعتبار والاتعاظ بآياتك، ولا تجعلنا من الذين يمرون بها مُعرِضين، وعنها غافلين، لا يعتبرون بها، ولا يتفكرون، اللهم إنَّا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجَاءةِ نقمتك، وجميع سخطك، اللهم ادفع وارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن، وسيء الأسقام والأمراض ما ظهر منها وما بطن،عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين وبلاد العالم أجمعين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق العاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني وبارك في جهودهم، وأحفظهم من كل سوء ومكروه برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وأطلق قيده، وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم اغفِر لنا ولوالِدِينا، ولِلمُسلمين والمُسلمات، والمُؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

    خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين